كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة المحتاج بشرح المنهاج



الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: أَوْ جَاوَزَ مَحَلَّهُ) عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ وَالتَّقْدِيرُ وَمَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا وَجَاوَزَهُ أَوْ جَاوَزَ إلَخْ كُرْدِيٌّ وَيُغْنِي عَنْ التَّقْدِيرِ ادِّعَاءُ أَنَّ الشَّارِحَ حَمَلَ بَلَغَ عَلَى مَعْنَى جَاوَزَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النِّهَايَةُ وَالْمُغْنِي عِبَارَتُهُمَا وَمَنْ بَلَغَ يَعْنِي جَاوَزَ مِيقَاتًا مِنْ الْمَوَاقِيتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا أَوْ مَوْضِعًا جَعَلْنَاهُ مِيقَاتًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِيقَاتًا أَصْلِيًّا. اهـ.
(قَوْلُهُ مَحَلَّهُ) ضَمِيرُهُ لِمَنْ الْمُقَدَّرِ بِالْعَطْفِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي مِيقَاتِهِ مَوْضِعُهُ) أَيْ: مَوْضِعُ الْإِرَادَةِ وَيُسَمَّى الْمِيقَاتَ الْعَنْوِيَّ أَوْ الْإِرَادِيَّ، وَهُوَ مِثْلُ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ فِي الْحُكْمِ كَالْمِيقَاتِ الشَّرْطِيِّ، وَهُوَ مَا عُيِّنَ لِلْأَجِيرِ وَالنَّذْرِيَّ، وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ فِي نَذْرِهِ إنْ كَانَ كُلٌّ فَوْقَ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَغَا الشَّرْطُ وَفَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَلَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ وَتَعَيَّنَ الْمِيقَاتُ الشَّرْعِيُّ وَنَّائِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْخَبَرِ السَّابِقِ) أَيْ: فِي شَرْحِ ذَاتِ عِرْقٍ كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ مِمَّنْ أَرَادَ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ) تَتِمَّتُهُ كَمَا مَرَّ آنِفًا فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ إلَخْ) تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ الْمَتْنِ بِمَا يَأْتِي فِي الْعُمْرَةِ.
(قَوْلُهُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ إلَخْ) أَيْ لِوُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَنَّائِيٌّ.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَخْطِرْ إلَخْ) أَيْ: قَصْدُ الْعُمْرَةِ.
(وَإِنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا) لِلنُّسُكِ وَلَوْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ مَثَلًا، وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً بِبَلَدٍ قَبْلَ مَكَّةَ (لَمْ تَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ) إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غَيْرَ نَاوٍ الْعَوْدَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِهِ (بِغَيْرِ إحْرَامٍ) أَيْ بِالنُّسُكِ الَّذِي أَرَادَهُ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجًّا وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ قَاصِدًا لِلْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا بَعْدُ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ قَصْدُهُ إلَّا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ فَلَا.
وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا لَوْ قَصَدَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ وَحْدَهَا عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ أَوْ عَكْسُهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ أَمْكَنَ مَا قَصَدَهُ وَإِلَّا كَأَنْ نَوَى الْحَجَّ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ تَعَيَّنَتْ الْعُمْرَةُ، وَفِي الْأَوَّلِ أَعْنِي الْمُرِيدَ ثُمَّ الْمُدْخِلَ إشْكَالٌ أَجَبْت عَنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَتَى أَخَّرَ مَا نَوَاهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ كَنِيَّةِ الْقِرَانِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي صُورَتِنَا فَلَا دَمَ بِخِلَافِ مَا هُنَا، فَإِنَّ تَأْخِيرَهُ لَهُ مَعَ نِيَّتِهِ وَإِمْكَانِهِ تَقْصِيرٌ أَيُّ تَقْصِيرٍ فَلَمْ يَكُنْ يَصْلُحُ الْإِدْخَالُ لِرَفْعِهِ وَذَلِكَ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ أَمَّا إذَا جَاوَزَهُ مُرِيدُ الْعَوْدِ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ عَادَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِعَوْدِهِ وَتَوْبَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعُدْ وَبِهَذَا جَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ قَوْلِ جَمْعٍ لَا تَحْرُمُ الْمُجَاوَزَةُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ حُرْمَتَهَا (قَوْلُ الْمُحَشِّي: لِزَوَالِ إلَخْ) لَعَلَّهُ عِلَّةٌ لِشَيْءٍ سَقَطَ مِنْ الْعِبَارَةِ وَتَعْلِيلُهُ بِمَا ذَكَرَ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهِ بَانَ أَنْ لَا إسَاءَةَ أَصْلًا.
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَوْدَ فِيمَا يَأْتِي يَرْفَعُ الْإِثْمَ مِنْ أَصْلِهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ دَفْنَ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ الْمَجْعُولُ كَفَّارَةً لَهُ بِالنَّصِّ لَا يَرْفَعُ إثْمَهُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ يَقْطَعُ دَوَامَهُ وَاسْتِمْرَارَهُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ التَّقْيِيدَ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ، فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ أَنَّ نِيَّتَهُ الْعَوْدُ لَا تُفِيدُهُ رَفْعُ الْإِثْمِ إلَّا إنْ عَادَ، قَوْلُهُمْ لَوْ ذَهَبَ مِنْ الصَّفِّ بِنِيَّةِ التَّحَرُّفِ أَوْ التَّحَيُّنِ جَازَ وَلَا يَلْزَمُهُ تَحْقِيقُ قَصْدِهِ بِالْعَوْدِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ بِنِيَّةِ ذَلِكَ زَالَ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمُ لِلِانْصِرَافِ مِنْ كَسْرِ قُلُوبِ أَهْلِ الصَّفِّ أَوْ خِذْلَانِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا هُنَا فَالْمَعْنَى الْمُحَرِّمُ لِلْمُجَاوَزَةِ، وَهُوَ تَأَدِّي النُّسُكِ بِإِحْرَامٍ نَاقِصٍ مَوْجُودٌ، وَإِنْ نَوَى الْعَوْدَ فَاشْتَرَطَ تَحْقِيقَهُ لِمَا نَوَاهُ بِالْعَوْدِ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَإِلَّا فَالْإِثْمُ بَاقٍ عَلَيْهِ.
وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ مَا لَوْ جَاوَزَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَحَلِّ مَسَافَتِهِ إلَى مَكَّةَ مِثْلَ مَسَافَةِ ذَلِكَ الْمِيقَاتِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَائِيَ مِنْ الْيَمَنِ فِي الْبَحْرِ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ مِنْ مُحَاذَاةِ يَلَمْلَمُ إلَى جِدَّةَ؛ لِأَنَّ مَسَافَتَهَا إلَى مَكَّةَ كَمَسَافَةِ يَلَمْلَمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِخِلَافِ الْجَائِي فِيهِ مِنْ مِصْرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الْجُحْفَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ مِنْ الْبَحْرِ بَعْدَ الْجُحْفَةِ أَقْرَبُ إلَى مَكَّةَ مِنْهَا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ مِثْلَ مَسَافَةِ الْمِيقَاتِ يُجْزِئُ الْعَوْدُ إلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِيقَاتًا لَكِنْ عَبَّرَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ بِمِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ وَأَخَذَ بِمُقْتَضَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ هُوَ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْمِيقَاتِ، وَفِي الْخَادِمِ فِيمَنْ مِيقَاتُهُ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ فَسَلَكَ طَرِيقًا لَا مِيقَاتَ لَهَا وَجَاوَزَ مُسِيئًا وَقَدَرَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مِيقَاتٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْعَوْدُ لِمَرْحَلَتَيْنِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِهِمَا. اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ مَا عَدَلَ عَنْهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ عَيْنَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَدَلَ عَنْ مِيقَاتٍ مَنْصُوصٍ، فَإِنَّهُ كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّعْيِينِ مَعْنَى فَإِذَا خُولِفَ هَذَا؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ الْمُعَيَّنِ قَدْ تَعْسُرُ فَلَا أَقَلَّ مِنْ رِعَايَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِمِثْلِ مَسَافَتِهِ مِنْ مِيقَاتٍ آخَرَ هَذَا غَايَةُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ كَلَامُ هَؤُلَاءِ وَمَعَ ذَلِكَ الْأَوْجَهُ مَدْرَكًا إجْزَاءُ مِثْلِ الْمَسَافَةِ مُطْلَقًا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعْيِينَ لِأَجْلِ تَعَيُّنِ عَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَعَيُّنِ مِثْلِ مَسَافَتِهِ لَا غَيْرُ فَتَأَمَّلْهُ.
الشَّرْحُ:
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ) عِبَارَةُ الْإِيضَاحِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ عَصَى وَلَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ قَالَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ مُقْتَضَاهُ الْعِصْيَانُ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِنُسُكٍ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ لِزَوَالِ الْإِسَاءَةِ بِالْعَوْدِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَلْ يَكُونُ مُسِيئًا بِالْمُجَاوَزَةِ إذَا عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَيْثُ سَقَطَ الدَّمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا فِي الْفُرُوعِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ فِيهِ مُحَرَّمًا إلَى أَنْ قَالَ السَّيِّدُ عَنْ السُّبْكِيّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ كَوْنَهُ مُسِيئًا خِلَافًا لِمَا قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ أَنَّهُ الظَّاهِرُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حُكْمَ الْإِسَاءَةِ ارْتَفَعَ بِرُجُوعِهِ وَتَوْبَتِهِ وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى خِلَافٌ إلَى أَنْ قَالَ السَّيِّدُ قُلْت يَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُ نِيَّةِ الْعَوْدِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِسَاءَةِ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يُتَّجَهُ وَإِلَّا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيُّ إلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ اسْتَدَلَّ لَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَجُوزُ لَهُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْحَرَمِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الْحِلِّ بِنَاءً عَلَى سُقُوطِ الدَّمِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْمَكِّيَّ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ بِخِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ انْتَهَكَ الْمَكِّيُّ حُرْمَةَ الْمِيقَاتِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ كَمَا انْتَهَكَ ذَلِكَ بِالْمُجَاوَزَةِ وَاغْتُفِرَ ذَلِكَ فَاسْتَوَيَا، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي إثْمِ الْمَكِّيِّ إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي الْحَرَمِ بِلَا نِيَّةِ الْخُرُوجِ لِأَدْنَى الْحِلِّ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ خَرَجَ إلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(قَوْلُهُ: مُرِيدُ الْعَوْدِ إلَيْهِ) أَيْ مُحْرِمًا أَوْ لِيُحْرِمَ مِنْهُ كَمَا يُؤْخَذُ الْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي قَوْلُهُمْ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَلَّ عَلَى تَحَقُّقِ الْإِسَاءَةِ ثُمَّ ارْتِفَاعِ حُكْمِهَا وَأَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ، بَلْ بِأَنَّ عَدَمَ تَحَقُّقِهَا وَحِينَئِذٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ الْبِنَاءِ فِي قَوْلِهِ وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ إلَخْ، فَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ إنْ رَفَعَ الْعَوْدَ فِيمَا يَأْتِي تَضَمَّنَ تَحَقُّقَ الْإِسَاءَةِ لَكِنْ يَرْتَفِعُ إثْمُهَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّفْعَ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أُرِيدَ الرَّفْعُ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ رَفْعُ الِاسْتِمْرَارِ (قَوْلُهُ، فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ إلَخْ) كَلَامُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ بِعَدَمِ الْعَوْدِ فِيمَا ذُكِرَ يَأْثَمُ بِالْمُجَاوَزَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ وَيَجْعَلَ الْإِثْمَ بِعَدَمِ الْعَوْدِ.
(قَوْلُهُ: زَالَ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمُ لِلِانْصِرَافِ مِنْ كَسْرِ إلَخْ) زَوَالِ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلنِّيَّةِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ بَلَغَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهِ نِهَايَةٌ وَمُغْنِي.
(قَوْلُهُ: لِلنُّسُكِ) إلَى قَوْلِ الْمَتْنِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي إلَّا قَوْلَهُ وَلَوْ فِي الْعَامِ إلَى الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: لِلنُّسُكِ) أَيْ: الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ شَرْحُ بَافَضْلٍ أَيْ: أَوْ الْمُطْلَقِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ) خِلَافًا لِلنِّهَايَةِ وَالْمُغْنِي وَلِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحَيْ الْمَنْهَجِ وَالرَّوْضِ كَمَا يَأْتِي عِبَارَةُ الْوَنَائِيِّ وَمَنْ بَلَغَهُ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ حَجَرٌ وَقَالَ م ر أَيْ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْخَطِيبُ مُرِيدًا لِلْحَجِّ فِي عَامِهِ أَوْ الْعُمْرَةِ مُطْلَقًا. اهـ. قَالَ بَاعَشَنٍ وَاعْتَمَدَهُ مَا قَالَهُ م ر الزِّيَادِيُّ وَالْحَلَبِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّيِّدِ عُمَرَ يَمِيلُ إلَيْهِ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ نَظْمِ الدِّمَاءِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَرَادَ إقَامَةً طَوِيلَةً إلَخْ) لَعَلَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِقَصْدِ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ وُجُوبَ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ لِلنُّسُكِ مَعَ إنْشَاءِ السَّفَرِ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْحَرَمِ كَجُدَّةِ وَالطَّائِفِ، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَحَرَجٌ تَأْبَاهُ مَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا نَصُّهُ سُئِلَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ عَمَّنْ قَصَدَ النُّسُكَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَدَخَلَ مَكَّةَ بِهَذَا الْقَصْدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ لِلدُّخُولِ أَوْ لَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الدَّاخِلَ إلَى مَكَّةَ بِالْقَصْدِ الْمَذْكُورِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بِنُسُكٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ عَلَى مُقَابِلِهِ انْتَهَى هَكَذَا رَأَيْته أَطْلَقَ النُّسُكَ الْمَقْصُودَ فِي الْقَابِلِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْحَجِّ فَلْيُتَأَمَّلْ بَصْرِيٌّ عِبَارَةُ الْكُرْدِيِّ عَلَى بَافَضْلٍ وَفِي فَتَاوَى الشِّهَابِ الرَّمْلِيِّ مَا نَصُّهُ سُئِلَ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِبَنْدَرِ جِدَّةَ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهَلْ تُبَاحُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ لِتَخَلُّلِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِجُدَّةِ أَمْ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُجَاوَزَةُ فَأَجَابَ مَنْ بَلَغَ مِيقَاتًا مُرِيدًا نُسُكًا لَمْ تَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرٍ بَعْدَ الْمِيقَاتِ شَهْرًا مَثَلًا لِلْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الْإِقَامَةَ بِالْبَنْدَرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. اهـ. قَالَ ابْنُ الْجَمَّالِ فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَنْدَرُ فِي جِهَةِ الْحَرَمِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَاصِدًا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ نَاوِيًا الْإِقَامَةَ بِبَنْدَرِ الصَّفْرَاءِ أَوْ بَدْرٍ أَنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ إلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَتْ قَالَ بَاعَشَنٍ عَنْ السَّيِّدِ أَحْمَدَ جَمَلِ اللَّيْلِ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ فِي ذَلِكَ نَعَمْ يَبْقَى الْكَلَامُ فِي مَحَلِّ إنْشَاءِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ يَجِبُ كَوْنُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مِنْ مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ إنْشَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَقَامَ بِهِ شَهْرًا أَوْ نَحْوَهُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْجَمَّالِ الْمُوَافِقَ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيهِ حَرَجٌ شَدِيدٌ لَاسِيَّمَا فِيمَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي نَحْوِ الصَّفْرَاءِ نَحْوَ سَنَةٍ.
(قَوْلُهُ: إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ غَيْرِنَا وَإِلَخْ) سَيَذْكُرُ مُحْتَرَزَهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ) مُبْتَدَأٌ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْمَجْمُوعِ و(قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ إلَخْ) خَبَرُهُ كُرْدِيٌّ.
(قَوْلُهُ: تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا.
(قَوْلُهُ: جَرَى عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ: التَّفْصِيلِ وَكَذَا ضَمِيرُ حَاصِلِهِ.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ قَاصِدًا إلَخْ) عِبَارَةُ الْوَنَائِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ التُّحْفَةِ وَالْفَتَاوَى أَنَّ مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَإِنْ كَانَ مُرِيدًا لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقِرَانِ ابْتِدَاءً وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَبَ الدَّمُ لِلْإِسَاءَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ فَوْرًا لِسُقُوطِ دَمِهَا لَا لِسُقُوطِ دَمِ الْقِرَانِ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ مَكَّةَ وَقَبْلَ النُّسُكِ سَقَطَا، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ حَتَّى تَلَبَّسَ بِنُسُكٍ غَيْرِ عَرَفَةَ سَقَطَ دَمُ الْقِرَانِ فَقَطْ وَلَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا فِيهَا وَجَبَ الدَّمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَحْرَمَ فِي الْأُولَى بِحَجٍّ فِي وَقْتِهِ أَوْ بِعُمْرَةٍ فِي مِيقَاتِهِ بَعْدَهَا مَكَّةُ وَلَوْ أَرَادَ الْحَجَّ فِي الْأُولَى فَحَجَّ الثَّانِيَةَ فَلَا دَمَ وَلَوْ أَرَادَ حَجَّ الْأُولَى وَمَرَّ بِالْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرِهِ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَجَبَ الدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ لِلْمِيقَاتِ أَوْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ وَجَبَ فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَجِّ الْمِيقَاتُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ أَدْنَى الْحِلِّ لَزِمَهُ الدَّمُ. اهـ. قَالَ بَاعَشَنٍ قَوْلُهُ وَجَبَ الدَّمُ لِلْإِسَاءَةِ مَرَّ عَنْ النَّشِيلَيْ أَنَّهُ لَا دَمَ؛ لِأَنَّ الْمَحْذُورَ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَهَذَا مُحْرِمٌ وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ حَجَّ الْأُولَى وَمَرَّ بِالْمِيقَاتِ فِي أَشْهُرٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَخْ أَيْ: لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِمَا أَرَادَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَرَادَهُ وَقَدْ مَرَّ مُخَالَفَةُ عَبْدِ الرَّءُوفِ وَالنَّشِيلَيْ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا. اهـ.